أثر وحكمة

مقـالات

June 4, 2025
آخر خطبة للنبي ﷺ… حين ودّع الأمة بالكلمات وترك لها النور - 37713

في العام العاشر للهجرة، وبينما كانت شمس الإسلام قد أشرقت على جزيرة العرب، أطلّ النبي محمد ﷺ على الأمة في موقف لم يتكرر، ليُعلن من على جبل عرفات الرسالة الختامية للعالم.

خطبةٌ لم تكن كغيرها من الخطب… إنها خطبة الوداع، التي جمعت بين الوصية، والرحمة، والعدالة، والوحدة.

وقف أكثر من مئة ألف صحابي، بعضهم لم يره من قبل، وبعضهم عرفه منذ أول نزول للوحي. وفي قلب ذلك الجمع الكبير، وقف النبي ﷺ على ناقته، فبدأ خطبته بهدوء مهيب:

” أيُّها الناسُ اسْمَعُوا قَوْلِي فإني لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَلْقَاكُمْ بعدَ يومِي هذا في هذا المَوْقِفِ”

كانت هذه الكلمات كافية ليدرك الصحابة أن ما سيأتي بعدها، ليس كأي شيءٍ قبله…

وصايا خالدة من رسول الرحمة ﷺ

في خطبته، رسم النبي ﷺ معالم الإسلام الإنساني الذي جاء به. لم يتحدث عن الطقوس، بل عن المبادئ التي تحفظ الأرواح، وتبني الأمم، وتصون القلوب.

١. حرمة الدماء:

“إن دماءكم وأموالكم عليكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا.”

كأنّ النبي ﷺ يضع أول حجرٍ في صرح الحقوق الإنسانية: لا قتل، لا اعتداء، لا سرقة، لا غدر.

٢. إسقاط العصبية الجاهلية:

كل شيٍء من أمور الجاهلية تحت قدمي موضوع.”

أعلن ﷺ نهاية عصر التفاخر بالأنساب والقبائل، وبداية عصر التقوى كأساس للتفاضل.

٣. الوصية بالنساء:

” أيُّها النَّاسُ، إنَّ النساءَ عندكم عَوانٍ، أخذتُموهنَّ بأمانة الله، واستحلَلْتُم فروجَهنَّ بكلمةِ اللهِ.”

٤. التحذير من الشيطان:

“إنَّ الشيطانَ قد يَئِسَ أن يُعبَدَ بأرضِكم ، و لكن رضِيَ أن يُطاعَ فيما سِوى ذلك مما تُحاقِرون من أعمالِكم”

رسالة وعي للمؤمن… أن الشيطان لا يحتاج أن يجعلنا نسجد له، يكفيه أن يُفسد بيننا بكلمة، أو سوء ظن، أو ظلم صغير.

٥. الدعوة للوحدة:

“يا أيُّها النَّاسُ، أَلَا إنَّ رَبَّكم واحِدٌ، وإنَّ أباكم واحِدٌ، أَلَا لا فَضْلَ لِعَربيٍّ على أَعجَميٍّ، ولا لِعَجَميٍّ على عَرَبيٍّ، ولا لِأَحمَرَ على أَسوَدَ، ولا أَسوَدَ على أَحمَرَ إلَّا بالتَّقْوى”

في تلك اللحظة، أُسّست أعظم قاعدة في التاريخ البشري: المساواة بين الناس. لا لون، لا لغة، لا قومية… فقط القلوب والتقوى.

٦. الوصية بالقرآن:

تركتُ فيكم شيئَينِ ، لن تضِلوا بعدهماكتابَ اللهِ ، و سُنَّتي

دستور خالد… لا زمن يُبليه، ولا فتنة تُبطله.

متى وأين كانت خطبة الوداع؟

المكان: سهل عرفة، خارج مكة المكرمة
الزمان: يوم الجمعة، ٩ من شهر ذو الحجة، السنة ١٠ للهجرة
الحدث: حجة الوداع (الحج الوحيد للنبي ﷺ)

وبعد الخطبة بأيام، نزل قوله تعالى:

﴿اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام دينًا﴾ {المائدة: ٣}

حينها بكى بعض الصحابة، مثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه… فهموا أن النبي ﷺ قد أتم الرسالة، ولم يبقَ إلا اللقاء مع ربّه.

الوداع الأخير: “اللهم هل بلّغت؟

بعد أن أنهى النبي ﷺ خطبته، قال بعبارات مؤثرة:

ألا هل بلّغت؟

قال الصحابة: ” نعم، قد بلّغت يا رسول الله.”

 فرفع إصبعه إلى السماء وقال:
اللهم فاشهد… اللهم فاشهد… اللهم فاشهد.”

كان ذلك إعلان النهاية… لكنه لم يكن نهاية الرسالة.

ما الذي تعنيه لنا خطبة الوداع اليوم؟

رغم مرور أكثر من ١٤٠٠ سنة، لا تزال خطبة الوداع نورًا يهتدي به العالم:

  • في زمن الحروب… تعلمنا حرمة الدماء
  • في زمن العنصرية… تعلمنا المساواة
  • في زمن العنف الأسري… تعلمنا الرحمة
  • في زمن الفتن… تعلمنا التمسك بالقرآن

إنها ليست مجرد كلمات… بل دستور حياة، كتبه نبي الرحمة ﷺ، وسلّمه أمانة في أعناقنا إلى يوم الدين.

شارك

Facebook
Twitter
LinkedIn
X

انـتـظـرونــا قـريـبًـا