أثر وحكمة

مقـالات

March 24, 2025
التراويح أم التهجد؟ أيهما الأقرب إلى الله؟ - 37199

تخيل أنك في ليلة من ليالي رمضان، المسجد يضجّ بالتكبير، والإمام يتلو آيات تبعث الطمأنينة في القلوب، والناس بين راكع وساجد.. إنها صلاة التراويح، شعيرة رمضان التي تملأ لياليه بالنور. ثم، تمر الساعات ويهدأ كل شيء، الناس ينامون، والمدينة تغرق في السكون.. لكن في زاوية من غرفتك، تقف وحدك، تتوضأ، وتبدأ في الصلاة، لا أحد يسمعك، لا أحد يراك.. إلا الله. هذه هي صلاة التهجد، اللقاء الخاص بينك وبين خالقك في أعظم أوقات الاستجابة.

لكن ما الفرق بينهما؟ ولماذا كان النبي ﷺ يقوم الليل رغم أنه غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟

صلاة التراويح.. هدية رمضان

التراويح هي صلاة القيام في رمضان، سُنّة تُصلى بعد العشاء وحتى الفجر. النبي ﷺ صلاها عدة ليالٍ في المسجد، ثم توقف خشية أن تُفرض على المسلمين، فصار الصحابة يصلّونها فرادى أو في جماعات صغيرة.

حتى جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فوحّد المسلمين على إمام واحد، وقال كلمته الشهيرة: نِعْمَتِ البدعة هذه!”، ومنذ ذلك الحين، أصبحت التراويح من أجمل الطقوس الرمضانية، حيث تجتمع القلوب، وترتفع الأصوات بالقرآن، ويتذوق المسلمون حلاوة الطاعة.

لماذا سُمّيت "تراويح"؟

لأن الصحابة كانوا يُطيلون فيها القيام، فإذا تعبوا، استراحوا بين الركعات. واليوم، نراها تُؤدى بسرعة البرق أحيانًا، وكأنها سباقٌ لإنهاء الصلاة، لا لحضور القلب فيها!

أما التهجد..

صلاة التهجد هي القيام بعد النوم، وهي صلاة الخلوة، حيث لا أضواء ولا أصوات، فقط العبد وربه. من عظمة هذه الصلاة، أن الله أثنى على أهلها في القرآن، فقال:

كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ الذاريات:

وهي الصلاة التي إذا أدّيتها، كنت من الذين يوقظهم الله من النوم ليختصهم برحمته. قال النبي ﷺ:

أقربُ ما يكونُ الربُّ من العبدِ في جوفِ الليلِ الآخرِ، فإن استطعتَ أن تكونَ ممَّن يذكرُ اللهَ في تلكَ الساعةِ فكنْ.

السر الأعظم: لماذا التهجد؟

لأن الله ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، وينادي:

 هل من سائلٍ فأُعطِيَه؟ هل من مُستغفرٍ فأغفرَ له؟ هل من تائبٍ فأتوبَ عليه ؟ حتى يطلعَ الفجرُ

تخيل.. رب العالمين يسأل عنك! وأنت نائم؟ أم ستكون من أولئك الذين يقفون بين يديه طلبًا للعفو والرحمة؟

التراويح أم التهجد؟ أيهما له فضل أعظم؟

كلاهما نور على نور، لكن التهجد له فضل أعظم، لأنه يكون في وقت الاستجابة، حين ينزل الله إلى السماء الدنيا، ويفتح أبواب القبول.

لكن ليس الجميع يستطيع الاستيقاظ آخر الليل، لذلك كان الصحابة يجمعون بين الحسنيين، فيصلون التراويح في المسجد، ثم ينامون، ليقوموا قبل الفجر بركعتين في جوف الليل، ليكون لهم نصيب من التهجد.

إن لم تستطع التهجد، فلا تترك التراويح.. وإن أردت أن تبلغ مراتب القرب، فاجعل لك في آخر الليل ركعات لا يطّلع عليها إلا الله.

فما أجمل أن يكون لك في رمضان سرٌ مع الله، تبكي فيه وحدك، تدعوه في سكون، وتسجد له سجدة ترفع بها قدرك في الدنيا والآخرة!

شارك

Facebook
Twitter
LinkedIn
X

انـتـظـرونــا قـريـبًـا