هل فكرت يومًا أن للتاريخ لغة خاصة تربطك بجذورك وقيمك؟
التقويم الهجري هو تلك اللغة التي تحكي قصة أمة، وتجعل أيامها شاهدة على حضارتها ومقدساتها. إنه أكثر من مجرد أرقام أو تواريخ — إنه وعاء للذاكرة الإسلامية، يوثّق عبق الهجرة النبوية الشريفة، ويُعيدنا كل عام لنتأمل أعظم محطات الإيمان والصبر والثبات على الحق.
﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ (يس: ١٢)
فالزمن وأثره محفوظ عند الله كما تحفظه الأمة.
بدأ هذا التقويم المبارك مع هجرة النبي ﷺ من مكة إلى المدينة، ذلك الحدث العظيم الذي غيّر مسار التاريخ الإنساني، وأسس لمرحلة جديدة من التمكين وبناء الدولة ونشر رسالة الإسلام للعالم. ومن هناك بدأت السنة الهجرية الأولى، لتكون نقطة الانطلاق لعصر إسلامي جديد ملهم.
﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً) (النحل: ٤١)
آية تذكّرنا ببركة الهجرة التي بدأ منها تقويمنا.
يعتمد التقويم الهجري على دورة القمر، ويضم اثني عشر شهرًا قمريًا، يبلغ مجموعها ٣٥٤ أو ٣٥٥ يومًا تقريبًا، فتتحرك مواعيد المناسبات الدينية بين فصول السنة، ليتذكّر المسلم دائمًا أن العبادة لا ترتبط بموسم ثابت، بل هي دائمة وحية تتنقل معه أينما كان.
﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ (التوبة: ٣٦)
إشارة واضحة لقدسية هذه الأشهر وعددها.
أشهر الهجرة: معاني تفوق أسماء الشهور
الأشهر الهجرية ليست مجرد تسميات محفوظة، بل كل اسم منها يحمل قصة ويعبر عن معنى عميق عاشته الأمة:
– محرم: شهر الله الحرام، رمز السلام والامتناع عن القتال، وذكرى نجاة موسى عليه السلام
– صفر: شهر السفر والترحال قديماً، وارتبط بتحرك الجيوش والأسفار
– ربيع الأول: شهر ميلاد الحبيب المصطفى ﷺ، نور العالم ورسالته
– شعبان: شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله
– رمضان: شهر القرآن والصوم والرحمة والمغفرة
– شوال: عيد الفطر، تتويج الصيام بالفرح
– ذو القعدة: من الأشهر الحرم، شهر السكون قبل الحج
– ذو الحجة: موسم الحج الأكبر، ووقفة عرفات التي تغسل الذنوب
كل شهر منها يبعث في قلوبنا معنى مختلفًا، ويعيد وصلنا بتاريخنا وهويتنا الإيمانية.
لماذا نتمسك بالتقويم الهجري؟
– لأنه يرسّخ هويتنا الإسلامية ويربطنا بسيرة رسولنا الكريم ﷺ
– لأنه يحدد لنا مواعيد عباداتنا وأعيادنا ومناسباتنا
– لأنه يوحّد الأمة الإسلامية في أيام الفرح والذكر والطاعة
– لأنه يذكّرنا كل عام بمعاني الهجرة والثبات والتضحية
– لأنه يجعلنا على صلة دائمة بمواسم الخير التي تتنقل عبر الفصول
إن استخدام التقويم الهجري ليس مجرد عادة قديمة، بل هو التزام بهويتنا الإيمانية وتاريخنا الحضاري العظيم الذي بدأ بالهجرة المباركة.
الخلاصة
بين أيامه ولياليه، يروي لنا التقويم الهجري دروسًا عظيمة في الصبر والإيمان والتضحية. هو تقويم قلوبنا قبل أن يكون تقويم أوراقنا، لأنه يحيي فينا روح الهجرة ومعاني الثبات كل عام. تمسّك به، وعلّم أبناءك رموزه وأشهره وقيمته، حتى تبقى صلتك بتاريخك ودينك حيّة نابضة، مهما تغيّرت الأزمنة وتبدّلت التقاويم.