رمضان يقترب من نهايته، أيامه تمضي سريعًا، وكأنها لم تكن سوى لحظات مضيئة تسابق الزمن، لكن هناك خطوة أخيرة تُكمل هذه الرحلة، لمسة ختام تُضفي على صيامك النقاء وتفتح باب العيد على مصراعيه للجميع—إنها زكاة الفطر، ذلك العطاء الذي لا يشبه أي عطاء آخر، والذي أراده الإسلام أن يكون علامة على اكتمال الرحمة في هذا الشهر الكريم.
زكاة الفطر ليست مجرد صدقة عابرة أو تبرع يقدّمه القادر لمن يحتاج، بل هي قانون إلهي للتكافل، نظام اجتماعي يسبق كل أنظمة العدالة الحديثة، فرضها النبي ﷺ في العام الثاني من الهجرة، ليضمن أن الفقير لا يقف يوم العيد يتأمل موائد الطعام بعين المشتاق، بينما يفرح الآخرون. وكأن رمضان يخاطبك في أيامه الأخيرة: لقد عرفت الجوع، فكيف ستترك غيرك يجوع بعدك؟
لم يكن الإسلام ليقبل أن تكون فرحة العيد ناقصة، أن تكون هناك بيوت لا تزورها البهجة، وقلوب لا تعرف لذة الإفطار الهادئ دون همّ الحاجة. ولهذا، جعل إخراج زكاة الفطر فرضًا، لا يُقبل الصيام بدونه كمال القبول. وكأنها تُطهّرك من كل تقصير، تُزيل عنك أثر لحظة ضعف أو كلمة لم يكن ينبغي أن تُقال، وتجعل صيامك يصل إلى أقصى درجات القبول والطهر.
قبل أن ترتدي ثوب العيد، قبل أن تجتمع مع أهلك وأحبابك حول المائدة الأخيرة من رمضان، هناك آخرون ينتظرون… ينتظرون تلك اللحظة التي يدق فيها الباب، فتصلهم زكاة الفطر كرسالة طمأنينة تقول لهم: “لم ننساكم، العيد لكم كما هو لنا“. وهكذا، لا يكون العيد مهرجانًا فرديًا لمن استطاع إليه سبيلًا، بل يصبح عيدًا جماعيًا، فرحة تمتد من يدٍ معطاءة إلى يدٍ محتاجة، فتُمسح دمعة، ويُرسم ابتسامة، ويُكتب فصلٌ جديد من الرحمة التي يريدها الله لهذا العالم.
كانت زكاة الفطر تُخرج في زمن النبي ﷺ من القوت، تمرًا، زبيبًا، شعيرًا، قمحًا ليس مجرد طعام، بل رمزٌ لعالم لا يُترك فيه أحد وحيدًا في يوم الفرح. واليوم، تُخرج مالًا في بعض البلدان، لكن الروح واحدة، والحكمة واحدة: الفرح يجب أن يكون حقًا للجميع.
وفي نهاية الشهر، بينما تستعد لوداع رمضان واستقبال العيد، تذكّر أن هناك من لن يشعر بهذه المناسبة إلا إن مددت إليه يدك، وأنك حين تفعل، فإنك لا تمنحه فقط زكاة، بل تمنحه إحساسًا بأنه ليس وحده، بأنه جزء من هذه الأمة، وبأن العيد يخصه كما يخص الجميع. فالعيد ليس لمن لبس الجديد، بل لمن جعل غيره يشعر أنه في عيد.