حين نقرأ وصف صلاة النبي ﷺ كما رواها الصحابة، ندرك أن الصلاة لم تكن مجرد عبادة مفروضة، بل كانت لحظة صفاء، ولقاء، وطمأنينة تتجلّى فيها معاني القرب من الله.
أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
– ما صلَّيتُ خَلْفَ رجُلٍ أوجَزَ صلاةً مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في تمامٍ، وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا قال: سَمِعَ اللهُ لِمن حمِدَه، قام حتى نقولَ: قد أوهم! ثمَّ يكبِّرُ ويَسجُدُ، وكان يقعُدُ بين السَّجدتينِ حتى نقولَ: قد أوهَمَ
وكان أنس بن مالك رضي الله عنه يقول:
ما رأيتُ أحدًا أشبَهَ صلاةً بِرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ مِن هذا الغلامِ يعني عُمرَ بنَ عبدِ العزيزِ قالَ: فحزَرنا في رِكوعِهِ عشرَ تسبيحاتٍ وفي سجودِه عشرَ تسبيحاتٍ
لأنهم أدركوا أن الصلاة الحقيقية تُؤخذ من فعله ﷺ لا فقط من أقوال الفقهاء
وصفه البراء بن عازب في الركوع والسجود، فقال:
“كان ركوع النبي ﷺ وسجوده، وإذا رفع رأسه من الركوع، وما بين السجدتين، قريبًا من السواء.”
[رواه البخاري]
فما الذي نتأمله؟
عندما نتأمل صلاة النبي ﷺ كما وصفها الصحابة، نرى أنها لم تكن مجرد أركان تؤدى، بل كانت لحظة اتصال خالص بين العبد وربّه، تفيض بخشوعٍ وطمأنينة، ووعيٍ عميق بمقام الوقوف بين يدي الله.
كان ﷺ إذا كبّر، خلت الدنيا من قلبه، وإذا قرأ، استشعر كل حرف، وإذا ركع أو سجد، تواضع بكليّته، حتى يكاد القلب يسمع وقع الخشية في صمته.
وكانت صلاته مزيجًا بين الطول والخشوع، بين الحضور والتوازن، فلا تطويل يشقّ، ولا تخفيف يُفقدها أثرها. في خلوته يطيل، وإذا أمّ الناس، راعى ضعفهم، فكان إمامًا في الرحمة كما هو في العبادة.
نتأمل كيف كان ﷺ يتذوق كل لحظة في الصلاة، فكانت له راحةً من تعب الدنيا، وسكينةً في زحام الحياة، حتى قال:
“وجُعلت قرة عيني في الصلاة.”
كل ذلك يدعونا أن نعيد النظر في صلاتنا:
هل نعيشها حقًا كما عاشها؟
هل نقف فيها بقلوب حاضرة، أم بأجساد غائبة؟
وهل صلاتنا تُهذّب أرواحنا، أم أصبحت عادة فقدت أثرها؟
صلاة النبي ﷺ دعوة مفتوحة لكل من أراد أن يذوق طمأنينة القرب من الله.