أثر وحكمة

مقـالات

June 14, 2025
عثمان بن عفان  يجهّز جيش العُسرة - 37935

عثمان بن عفان يجهّز جيش العُسرة: التضحية التي تُروى في ذي الحجة

في السنة التاسعة للهجرة، دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك. كانت الظروف صعبة بكل المقاييس: شدة الحر، بُعد المسافة، قلة الزاد، وشحّ المال. حتى إن القرآن وصف حال المؤمنين في تلك المرحلة بقوله:

“لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة”  التوبة: ١١٧

تثاقل البعض، واعتذر آخرون، بل عجز كثير من الفقراء عن تهيئة أنفسهم للخروج، فبكوا لعدم قدرتهم على مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم. في هذا الجو المشحون بالعجز والتردد، وقف عثمان بن عفّان، فاختار أن يكون من الذين ينصرون الله ورسوله بكل ما أوتوا.

عثمان بن عفان: حين يسبق البذل الكلام

وقف النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب الناس يحثّهم على تجهيز الجيش في تلك الساعة الحرجة.

عثمان رضي الله عنه، الذي عرفه الناس بتواضعه وإنفاقه، لم يتردد. أعلن استعداده، ثم جهّز ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها، وتبرع بألف دينار، وجاء بها فصبّها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم.

كان ذلك الموقف مشهدًا خالدًا من مشاهد الصدق، حيث يسبق البذل الكلام، ويتقدّم الفعلُ النيةَ المعلنة. لم يكن ذلك لأن الكمية كانت كبيرة فقط، بل لأن العطاء جاء في لحظة تحتاج إلى الصدق، وتغرب فيها النفوس عن التضحية.

التضحية في ذي الحجة: ليست شكلية

في كل عام، نتذكر أُضحية إبراهيم عليه السلام، ونُحيي سنة الذبح، لكن الله سبحانه قال:

لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم”  الحج: ٣٧

ذو الحجة ليس موسم ذبحٍ فقط، بل موسم صدق. التضحية ليست دائمًا من نصيب من يملك المال، بل من يملك نية خالصة. عثمان رضي الله عنه لم يُضحِ بجمل، بل بجهد، ووقت، وإخلاص، ومال كان الناس أحوج إليه.

وهذا هو الرابط الخفي بين قصة عثمان، وروح ذي الحجة: التضحية لا تقف عند ما يُذبح… بل تبدأ من القلب، وتُقاس بصدق العطاء في وقت الحاجة.

من جيش العُسرة… إلى جيش اليوم

لكل منا “جيش عُسرة” في حياته:

  • مشروع خير يحتاج إلى دعم
  • أخ أو قريب ينتظر مساعدة
  • وقت يمكن بذله في عبادة
  • شهوة تنتظر أن تُضحّى لأجل الله

عثمان رضي الله عنه، لم ينتظر موسمًا ليفعل ذلك، لكنه فعلها في موسم عسرة. فهل ننتظر موسم راحة لنُقدِّم؟ أم نسلك درب عثمان رضي الله عنه، ونمنح في وقت الاحتياج؟

ما بعد البذل

منذ أن وضع عثمان رضي الله عنه ذهبه في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن العالم كما كان. لم تُكتب له فقط منزلة عند الله، بل أصبحت قصته درسًا يتكرر كلما جاء ذي الحجة، وكلما فُتحت أبواب التضحية.

ولعلّ من أعظم ما نستلهمه من ذي الحجة أن تكون أضحيتك هذا العام ليست فقط بهيمة، بل عادة تتركها، ذنبًا تدفنه، شهوة تكسرها، وقتًا تهبه، أو مالًا تعطيه، وكل ذلك في وقت لا يكون فيه العطاء سهلاً.

خاتمة

قال تعالى:

لن تنالوا البر حتى تُنفقوا مما تحبون”  آل عمران: ٩٢

عثمان أنفق مما يحب، فبلغ البر، وسُطرت له مكانة خالدة.

وفي أيام ذي الحجة، حين تتقاطع قصص إبراهيم وعثمان، يظل المعنى واحدًا:
الذين يصدقون في العطاء، لا يضيعون عند الله.
فابحث عن “جيش العُسرة” في حياتك، وجهّزه بما تملك.
فلعلها تكون اللحظة التي تُكتب بها منزلتك.

شارك

Facebook
Twitter
LinkedIn
X

انـتـظـرونــا قـريـبًـا