تخيّل نفسك تعيش في المدينة المنورة قبل أكثر من 1400 عام، بعد شهرٍ طويل من الصيام والعبادة. فجأة، يُعلن النبي ﷺ أن اليوم التالي هو العيد! ترى الناس يخرجون من بيوتهم بوجوهٍ مشرقة، تسمع أصوات التكبير تملأ الأفق، وتشهد لحظة تاريخية ستصبح سُنّة تتكرر كل عام. لكن، ما السر وراء هذا العيد؟ وما هي جذوره في التاريخ الإسلامي؟
عيد الفطر ليس مجرد مناسبة احتفالية، بل هو عيدٌ شرعه الله ليكون مسك الختام لشهرٍ من الطاعة. بدأ الاحتفال به في السنة الثانية للهجرة، وهو العام الذي فُرض فيه الصيام، ومنذ ذلك الحين أصبح يومًا ينتظره المسلمون بفرحٍ لا يشبه أي يوم آخر.
عندما دخل النبي ﷺ المدينة، وجد أهلها يحتفلون بيومين اعتادوا اللعب فيهما، فقال لهم: “قد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما: يوم الفطر ويوم الأضحى“ . وهكذا، لم يكن العيد مجرد عادة، بل شعيرة دينية تحمل أسمى المعاني الروحية والاجتماعية.
في صباح العيد، كان النبي ﷺ يغتسل ويتطيب، ويرتدي أجمل ثيابه، ثم يخرج إلى المصلى، ويتناول تمرات قبل الصلاة. وكان يأمر المسلمين بإخراج زكاة الفطر، حتى لا يُحرم الفقراء من فرحة العيد.
بل حتى النساء خرجن للصلاة، كما أمرهن النبي ﷺ، فقد روت أم عطية رضي الله عنها: “أمرنا رسول الله ﷺ أن نخرجهن في الفطر والأضحى، العواتق والحيّض وذوات الخدور، فأما الحيّض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين“ (صحيح مسلم )
كان المسلمون يتبادلون التهاني بقولهم: “تقبل الله منا ومنكم“، وكانت المدينة تعجُّ بالسعادة، حيث تمتزج العبادة بالفرح، والتكبير بالبهجة، والعطاء بالمحبة.
عبر العصور، كان عيد الفطر مناسبة عظيمة في العالم الإسلامي. في العهد العباسي، كانت قصور الخلفاء تُزيَّن، وتُوزَّع الهدايا على الناس. وفي الأندلس، كانت المآدب الضخمة تُقام في الساحات العامة، وكانت الجوامع تمتلئ بالتكبير والتهليل. أما في الدولة العثمانية، فكان السلاطين يخصصون يوم العيد لاستقبال العلماء والوجهاء، وكان الشعب يحتفل بالألعاب والأسواق والاحتفالات الشعبية.
العيد ليس فقط يوم فرح، بل هو درسٌ في العطاء، في المغفرة، في التراحم. في هذا اليوم، يتذكر المسلم أن الفرحة الحقيقية ليست في الأكل واللباس، بل في صلة الرحم، في التسامح، في إدخال السرور على قلب الآخرين.
كما قال النبي ﷺ: “للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه“. فليكن عيدنا هذا العام فرصة لنعيش هذه الفرحة الحقيقية، فرحة الطاعة، فرحة القلوب النقية، فرحة العطاء بلا حدود.