رمضان لم يكن شهر الركود ولا التباطؤ في حياة المسلمين الأوائل، بل كان شهر العزة والانتصارات. لم يكن الصيام عذرًا لترك الجهاد، بل كان وقودًا زادهم صبرًا وثباتًا. فكيف كان أولئك المحاربون يصومون في ساحات القتال؟ وكيف استطاعوا الجمع بين الجوع والمعركة، بين الروحانية وساحات الوغى؟
حين نستعرض تاريخ المسلمين، نجد أن أعظم انتصاراتهم وقعت في رمضان، وكأن هذا الشهر كان وقتًا يتجدد فيه العزم وتشتعل فيه روح التضحية. غزوة بدر الكبرى، فتح مكة، معركة عين جالوت، وحطين، كلها كانت في رمضان. لم يكن الصيام ضعفًا، بل كان سلاحًا آخر في يد المحارب المؤمن
قد يتساءل البعض: كيف يستطيع الإنسان القتال وهو لم يأكل شيئًا منذ الفجر؟ والجواب يكمن في قوة الإيمان والتدريب الجسدي الصارم. المسلمون الأوائل لم يكونوا مترفين، بل كانت أجسادهم متأقلمة على قلة الطعام، وكانوا مدركين أن الصبر على الجوع جزء من الجهاد. قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: “الصيام جُنّة“، أي درع، وكانوا يرونه درعًا روحيًا وجسديًا.
الإسلام دين يوازن بين التكليف والقدرة، ولذلك أباح الله للمجاهد أن يفطر إذا كان الصيام يضعفه عن القتال. وقد ورد أن النبي ﷺ أمر الصحابة في إحدى الغزوات بالفطر، قائلاً: “إنكم مصبحو عدوكم، والفطر أقوى لكم“. ومع ذلك، كان هناك من يُصرّون على الصيام رغم شدة المعركة، مثل الصحابي أبو طلحة الأنصاري الذي خاض المعارك وهو صائم، قائلاً: “أجد قوةً أكثر وأنا صائم”.
رغم أن الحرب تتطلب القوة البدنية، إلا أن الجانب الروحي كان حاضرًا بقوة. المحارب الصائم كان يقاتل ليس فقط دفاعًا عن أرضه، بل بروحٍ متصلة بالله، يشعر أن كل ضربة سيف تقربه إلى الجنة. كانوا يفطرون على تمرات تحت ظل الرماح، ويقيمون الليل وهم مرهقون من المعارك، ثم يعودون للقتال مع الفجر بنفسٍ مطمئنة.
عندما رأى أعداء المسلمين أنهم يقاتلون جيشًا صائمًا، أدركوا أنهم أمام رجال لم تكن شهواتهم هي ما يحركهم، بل قوة داخلية لا تُقهر. حتى القائد الفرنسي نابليون بونابرت، حين واجه جيوش المسلمين في مصر، قال بدهشة: “كيف نحارب رجالًا لا يأكلون ولا يشربون وهم أقوياء؟!”
رمضان لم يكن يومًا شهر الاستسلام للراحة، بل كان ميدانًا للاختبار الحقيقي للصبر، ولإثبات أن الصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام، بل هو تدريب للنفس على التحمل والصبر، سواء في الحياة اليومية أو في ميدان المعركة.
“اللهم كما منحتهم القوة في جهادهم، امنحنا القوة في جهاد أنفسنا.”