صلاة التراويح هي صلاة قيام الليل في شهر رمضان المبارك، وقد بدأت كسنة نبوية في عهد الرسول محمد ﷺ. كان الصحابة رضي الله عنهم يحرصون على متابعة أفعال الرسول ﷺ والاقتداء به في عباداته ومعاملاته، سعيًا للتقرب إلى الله والالتزام بنهج النبي الكريم.
بعد فرض صيام شهر رمضان على المسلمين، ومع انتهاء أول يوم من رمضان، ترقب الصحابة ما سيفعله الرسول ﷺ من عبادات وطقوس. في ليلة هادئة، خرج النبي ﷺ بعد صلاة العشاء وبدأ في الصلاة، فاصطف خلفه بعض الصحابة وصلوا معه. لم يأمر النبي ﷺ بصلاة التراويح بشكل مباشر، ولكن الصحابة كانوا يتابعون أفعاله ويقتدون به.
في الليلة الثانية، تزايد عدد المصلين بعدما سمعوا بخبر صلاة النبي ﷺ بعد العشاء، وظهر الخشوع والسكينة على الناس أثناء تأديتهم لهذه العبادة التي لم تكن مفروضة عليهم، ولكنها مست القلوب واستمالت النفوس للتقرب إلى الله ومضاعفة الأجر والثواب.
في الليلة الثالثة، امتلأ المسجد بالمصلين الذين احتشدوا للصلاة خلف رسول الله ﷺ، مما أضاء المدينة بنور قيام الليل.
وفي الليلة الرابعة، لم يخرج النبي ﷺ للصلاة، وانتظر الصحابة طويلًا خروجه لإحياء صلاة التراويح كما في الليالي السابقة، ولكن النبي ﷺ لم يخرج حتى أصاب بعضهم الحزن والشكوك حول ما إذا كانوا قد ارتكبوا خطأ ما حرمهم من لذة الصلاة معه.
عند حلول وقت أذان الفجر، خرج النبي ﷺ مبتسمًا وقال لهم بحنو: “إني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها”. فقد امتنع النبي ﷺ عن الصلاة مع الصحابة في تلك الليلة خشية أن تُفرض صلاة الليل على الأمة ويصعب عليهم الالتزام بها مع مرور الوقت، وكان ذلك تخفيفًا ورحمة بالمسلمين.
بعد وفاة الرسول ﷺ، زالت تلك الخشية، وأصبحت صلاة التراويح في رمضان سنة مؤكدة عن النبي ﷺ، يُعظم الله أجر من أداها وداوم عليها، ولا يأثم من عجز عنها أو شق عليه أداؤها. في عهد الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قل الإقبال على صلاة التراويح بسبب انشغاله بحروب المرتدين وقصر مدة خلافته التي امتدت لسنتين فقط.
عندما استتب أمر المسلمين في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، جمع الناس على صلاة التراويح في رمضان مرة أخرى كما اعتادوا الاجتماع عليها من قبل في عهد رسول الله ﷺ.
صحيح البخاري .. ورد في حديث عن عائشة رضي الله عنها
“أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى ذاتَ لَيْلَةٍ في المَسْجِدِ، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ القَابِلَةِ، فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قالَ:( قَدْ رَأَيْتُ الذي صَنَعْتُمْ وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الخُرُوجِ إلَيْكُمْ إلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ) وَذَلِكَ في رَمَضَانَ
عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني لأرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل. ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعم البدعة هذه، والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون، يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله.
سير أعلام النبلاء – الإمام الذهبي
البداية والنهاية لابن كثير