أثر وحكمة

مقـالات

March 24, 2025
ليلة القدر.. الليلة التي غيّرت التاريخ إلى الأبد - 37182
هناك لحظات تمرّ كأنها لم تكن، وهناك لحظات تُغيّر التاريخ بأكمله. وليلة القدر ليست مجرد ليلة في التقويم، بل هي أعظم ليلة شهدها الوجود، الليلة التي انشقّ فيها الظلام بنور الوحي لأول مرة، حين نزل جبريل عليه السلام بكلام الله على قلب النبي ﷺ، وقال له “:اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ”. إنها الليلة التي تغيّر فيها مصير البشرية كلها، عندما تحوّل العالم من ظلمات الجهل إلى نور الإسلام. تخيّل أن هذه الليلة التي تترقبها كل عام، كانت الليلة التي بدأ بها كل شيء، الليلة التي اختارها الله ليُنزِل فيها أولى رسالاته إلى آخر أنبيائه.
لماذا ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر؟
حين يخبرك الله أن ليلة واحدة خير من ألف شهر، فهذا يعني أن ساعاتها القليلة تساوي عمرًا كاملًا من العبادة! ألف شهر تعني أكثر من ٨٣ سنة، أي أنك لو أدركتها مرة واحدة بصدق، فكأنك عبدت الله عمرًا إضافيًا فوق عمرك الحقيقي.لكن لماذا؟ ما السر في هذه الليلة؟لأنها الليلة التي تتنزل فيها الملائكة حتى مطلع الفجر. جبريل نفسه، الذي كان يرافق الأنبياء في أعظم اللحظات، ينزل إلى الأرض في هذه الليلة تحديدًا، ليشهد من يحييها، ليكون شاهدًا على دعائهم وسجودهم، وكأنها لحظة فاصلة في حياة كل إنسان.في هذه الليلة، لا يُردّ دعاء، ولا يُغلق باب من أبواب الرحمة. قيل أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كان إذا دخلت العشر الأواخر، لا يُرى إلا ساجدًا أو قائمًا، يحرص على كل لحظة وكأنه يعلم أن عمره كله يتحدد فيها.

لماذا لا نعرف موعدها بالضبط؟

في البداية، كاد النبي ﷺ أن يُخبر الصحابة بموعدها، لكنه قال: ” فَرُفِعَتْ، وعسى أنْ يكونَ خيرًا لكم “. فهل كان نسيان موعدها مقصودًا؟ نعم، لأن الله يريد أن يرى من سيبحث عنها بصدق، من لن يعبد ليلة واحدة فقط، بل سيعيش كل العشر الأواخر وكأنها ليلة قدر محتملة.

لو كنا نعرفها يقينًا، هل كان سيتعب الناس في بقية ليالي رمضان؟ أم أن الجميع كان سينتظر ليلة واحدة فقط؟ لهذا السبب، أخفاها الله، حتى لا تحصل على ليلة واحدة، بل تحصل على عشر ليالٍ من الرحمة والمغفرة.

كيف كانت عبادة النبي ﷺ في العشر الأواخر؟

قالت عائشة رضي الله عنها: “كان النبي ﷺ إذا دخل العشر شدّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله”. أي أن النبي كان في الأيام العادية يعبد الله، لكن في العشر الأواخر كان يتحوّل بالكامل، كأن هذه الأيام هي الفرصة الأخيرة التي لا تُعوّض.

كان النبي يعتكف في المسجد، ينفصل عن الدنيا تمامًا، لا تجارة، لا لقاءات، لا شيء سوى العبادة والذكر والتأمل. كان يترك كل شيء ليدرك ليلة القدر، ليكون حاضرًا عندما تتنزل الملائكة، عندما تُكتب الأقدار للسنة القادمة.

ما هي علامات ليلة القدر؟
لم يُخبرنا النبي ﷺ بموعدها، لكنه أعطانا إشارات خفية:
  • تكون ليلة هادئة، لا حارة ولا باردة، ساكنة كأن الكون كله ينتظرها.
  • الشمس تشرق في صباحها بلا شعاع، كأنها مرّت بمسحة نورانية جعلتها مختلفة عن كل صباح.
  • القلوب تشعر بها، كثير من العابدين يقولون إنهم أحسوا بطمأنينة لم يعرفوها من قبل، كأن الهواء نفسه مختلف، كأن السكون يحمل سرًّا لا يدركه إلا من كان حاضرًا بقلبه.
هل ستكون من الفائزين بها؟
الفرق بين من يدرك ليلة القدر ومن يضيّعها، ليس في المعرفة، بل في الاستعداد. كثيرون يظلون يسألون متى ستكون؟ لكن القليل منهم يعيشون كل ليلة وكأنها هي.ليلة القدر ليست لمن ينتظرها، بل لمن يقوم ويسجد ويدعو وكأنها حاضرة أمامه. ليست لمن يسأل عنها، بل لمن يبحث عنها بقلبه، لمن يدخل العشر الأواخر كأنه دخل سباقًا نهايته الجنة. 

شارك

Facebook
Twitter
LinkedIn
X

انـتـظـرونــا قـريـبًـا