لطالما كان الصيام عبادةً مقدسة في مختلف الشرائع السماوية، لكنه في الإسلام يحمل بُعدًا خاصًا يجمع بين الفرض والتطوع، وبين تهذيب النفس والتقرب إلى الله. ومن بين النوافل العظيمة التي حثّ عليها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، يأتي صيام ستة أيام من شهر شوال، وهو سنة مؤكدة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بروحانية شهر رمضان
الصيام كعبادة لم يكن جديدًا على البشرية عند نزول الإسلام، فقد صامته الأمم السابقة، كما جاء في قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (البقرة). فاليهود مثلاً كانوا يصومون يوم عاشوراء، والنصارى عرفوا الصيام كنوع من الزهد والعبادة. لكن الإسلام جاء بنظام صيام فريد، يمتد طوال شهر رمضان، ثم يتبعه صيام الست من شوال كتتمة روحية.
جاءت الأحاديث النبوية لتؤكد فضل صيام هذه الأيام الستة، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر“ رواه مسلم). وقد فهم علماء الإسلام هذا الحديث على أنه امتداد لبركة رمضان، وكأن المسلم يكتب في صحيفته أجر صيام سنة كاملة، لأن الحسنة بعشر أمثالها.
من الناحية التاريخية، كان المسلمون الأوائل حريصين على هذه السنة، خاصة في المدينة المنورة، حيث كانوا يرون أن صيام الست يساعد على تثبيت أثر العبادة بعد رمضان، ويجعل العبد في حالة دائمة من الطاعة. وقد نقلت كتب التاريخ أن الصحابة والتابعين كانوا يسارعون إلى صيام هذه الأيام، رغم كونها غير مفروضة.
في مختلف العصور الإسلامية، تطور فهم العلماء لصيام الست، وظهر اختلاف بين المذاهب الفقهية حول ترتيبها، فالبعض رأى أنه يستحب صيامها متتابعة بعد العيد مباشرة، بينما رأى آخرون جواز تفريقها على الشهر، وكل ذلك لعدم ورود نص صريح يلزم بترتيب معين.
وقد اهتم الفقهاء أيضًا بتوضيح علاقة صيام الست بالقضاء، حيث أفتى جمهور العلماء بأن قضاء رمضان مقدم على النافلة، بينما أجاز بعضهم الجمع بين النية في حالة الضرورة.
في العصور الإسلامية اللاحقة، ظل صيام الست حاضرًا في حياة المسلمين، وكان يُنظر إليه كعلامة على الاستمرار في الطاعة بعد رمضان. وقد أشارت بعض المصادر التاريخية إلى أن الخلفاء والعلماء كانوا يحرصون على هذه السنة، حتى إن بعضهم كان يقيم موائد الإفطار للصائمين في تلك الأيام تشجيعًا على العبادة.
اليوم، وبعد قرون من إقرار هذه السنة، لا يزال صيام الست من شوال يُمارس على نطاق واسع بين المسلمين في جميع أنحاء العالم، كتقليد إيماني عريق يجمع بين عبق الماضي وروحانية الحاضر.